المسلمون والجغرافيا
كان المسلمون مستكشفين بالفطرة بسبب تعاليم الإسلام التي شكّلت دافعًا أساسيًا للفضول العلمي والجغرافي
بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي، كان متوسط معرفة الأوروبيين بالعالم من حولهم محدودًا بمنطقتهم المحلية والخرائط التي وفرتها السلطات الدينية. لم تكن الاكتشافات العالمية الأوروبية في القرنين ال15 وال16 لتحدث بهذه السرعة لولا العمل المهم الذي قام به المترجمون والجغرافيون في العالم الإسلامي.
بدأت الإمبراطورية الإسلامية بالتوسع خارج شبه الجزيرة العربية بعد وفاة سيدنا محمد ﷺ في عام 632 ميلادي. فتح القادة المسلمون إيران عام 641، وفي عام 642 أصبحت مصر تحت السيطرة الإسلامية. في القرن الثامن أصبحت كل من شمال أفريقيا، وشبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال)، والهند، وإندونيسيا أراضي إسلامية.
حوالي عام 762 ميلادي، أصبحت بغداد العاصمة الفكرية للإمبراطورية، وأصدرت طلبًا للحصول على كتب من جميع أنحاء العالم. كان التجار يحصلون على وزن الكتاب ذهبًا. مع مرور الوقت جمعت بغداد ثروة من المعرفة، بما في ذلك العديد من الأعمال الجغرافية المهمة من الإغريق والرومان. من أوائل الكتب التي تمت ترجمتها كان كتاب بطلميوس "المجسطي"، الذي كان مرجعًا لمواقع وحركة الأجرام السماوية، وكتابه "الجغرافيا"، الذي كان وصفًا للعالم ودليلاً للأماكن. حافظت هذه الترجمات على المعلومات الموجودة في هذه الكتب من الضياع. وبفضل مكتباتهم الواسعة، كانت النظرة الإسلامية للعالم بين عامي 800 و1400 أكثر دقة بكثير من النظرة المسيحية للعالم.
مخطوطة من القرن الثالث عشر، رسمها الواسطي لكتاب "مقامات الحريري" الشهير للحريري. تُظهر الصورة مكتبة في بغداد. المصدر: ويكيميديا كومنز.
كانت الجغرافيا الإسلامية استمرار للعلم الجغرافي الإغريقي والروماني، الذي كان قد فُقد في أوروبا المسيحية. ومع ذلك أضاف الجغرافيون المسلمون، وخصوصًا الإدريسي وابن بطوطة وابن خلدون، إضافات جديدة إلى المعرفة الجغرافية القديمة المتراكمة.
الإدريسي
يُعرف الكثير عن حياة الإدريسي. ويُرجح أنه وُلد في سبتة بالمغرب حوالي سنة 1100 م. ويُعتقد أن الإدريسي من نسل النبي محمد ﷺ. التحق بجامعة قرطبة في الأندلس، وسافر في أنحاء شمال أفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط في أوروبا وإسبانيا.
في عام 1145 ميلادية، أصبح الإدريسي مستشارًا للملك روجر الثاني ملك صقلية. وقد وظّف روجر الثاني الإدريسي لإنشاء خريطة عالمية محدثة. أرسل الإدريسي رحّالة وجغرافيين لجمع المعلومات من مختلف أنحاء العالم لهذا المشروع الضخم.
وكانت ثمرة هذه الجهود كتاب "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، الذي اكتمل في عام 1154 ميلادية، قبيل وفاة الملك بوقت قصير. وقد شمل العمل نصًا يوضح الاكتشافات الجغرافية، ومجموعة من 70 خريطة شملت مناطق العالم الواقعة شمال خط الاستواء. تُرجم عمل الإدريسي إلى اللاتينية ودرِس في أنحاء العالم.
خريطة الإدريسي للبحر الأبيض المتوسط أشرف الجغرافي العربي الإدريسي على رسم أكثر من 70 خريطة. تُظهر هذه الخريطة البحر الأبيض المتوسط، وشمال أفريقيا، وأوروبا، وأجزاء من آسيا. وُجّهت الخريطة بحيث يكون الجنوب نحو الأعلى. صورة فوتوغرافية: Buyenlarge/Getty Images
الجغرافيا أكثر بكثير من مجرد معلومات عشوائية عن المحيطات والغابات! إذا كان لديك فضول لاستكشاف العالم، عليك الإنضمام لصندوق برق التعليمي الممتع الذي يتناول الجغرافيا. اكتشف صناديق برق!
ابن بطوطة
ولد محمد بن بطوطة في عام 1304 م ميلادي في مدينة طنجة المغربية شمال إفريقيا. كان معظم الأولاد في هذا الزمان والمكان قد تلقوا تعليماً أساسياً في الكتابة والقواعد والرياضيات الأساسية حتى سن الثانية عشرة، لكن، ونظراً لأنّ عائلة محمد بن بطوطة كان العديد من أفرادها علماء وقضاة، فقد حصل أيضاً على دراسة متقدمة للقرآن والقانون ليصبح قاضياً.
منذ الصغر كان ابن بطوطة يعشق السفر ويهتم بأخبار العالم التي كان يقرؤها في الكتب. بدأ رحلاته وهو في سن الحادية والعشرين، حين خرج قاصدًا الحج إلى مكة عام 1325 م. لكن رحلته لم تقتصر على الحج فقط، بل استمر يسافر لأكثر من 30 عامًا، جاب خلالها (شمال إفريقيا - مصر والشام والحجاز - العراق وإيران - شرق إفريقيا (الصومال، كينيا...) - آسيا الوسطى والهند والصين - الأندلس - بعض المناطق جنوب الصحراء الكبرى مالي). خلال ثلاثين عاماً من السفر استكشف الرحالة ابن بطوطة الكثير من نصف الكرة الشرقي وكل العالم الإسلامي تقريباً. من كل مكان زاره روى تجاربه وكتب عن الناس والأماكن والحيوانات والكنوز التي رآها أو أُعطيت له. بشكل عام سافر حوالى 73 ألف ميل، وزار حوالى 40 دولة وعبَر ثلاث قارات بين عام 1325 و1352.
كتاب "رحلة ابن بطوطة" يعتبر من أكثر كتب العالم شمولية وله أهمية تاريخية، فتمت ترجمته إلی 40 لغة حية في العالم. في عام 1356، طلب الحاكم المريني للمغرب من عالم أديب شاب يُدعى ابن الجازي تسجيل تجارب وملاحظات أبن بطوطة ليكتب استكشافاته خلال رحلاته، حيث عمل ابن الجازي مع ابن بطوطة لمدة عامين على تدوين كتاب "الرحلة".
البيروني
وُصف البيروني بأنه من بين أعظم العقول التي عرفتها الثقافة الإسلامية، فكان عالِم فلك ورياضيات وصيدلة وجغرافيا ومؤرخ (عالِم موسوعي) إلى جانب كونه رحّالة متميز. تميّز البيروني بحب المعرفة والسفر بحثًا عن العلم. تعلم في صغره اللغات المختلفة مثل العربية والفارسية واليونانية والسريانية والهندية.وكجغرافيّ كان واحدًا من أعظم الجغرافيين في العصور الوسطى، وقد ترك تأثيرًا كبيرًا على تطور علم الجغرافيا في العالم الإسلامي والعالم بأسره.كان البيروني من أول العلماء الذين وضعوا فرضيات دقيقة حول شكل الأرض و
استطاع أن يقدم حسابًا دقيقًا لمحیط الأرض باستخدام طريقة رياضية مبتكرة.
اهتم البيروني بدراسة خطوط العرض والطول واستخدمها في تحديد مواقع الأماكن على سطح الأرض. في رحلاته لم يقتصر اهتمام البيروني على الجغرافيا الطبيعية فقط، بل درس أيضًا الجغرافيا البشرية والثقافية.
تمثيل خيالي للبيروني على طابع بريد سوفيتي عام 1973
البيروني. طابع بريدي أفغاني تذكاري، 1973.